يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه.

ويجوز أن يراد: هذا بعض الصرط المستقيمة؛ توبيخًا لهم على العدول عنه، والتفادي عن سلوكيه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدي إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق: أن يعتمد فيه كما يعتمد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده: هذا فيما أظن قول نافع غير ضار؛ توبيخًا له على الإعراض عن نصائحه.

[{ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} 62 - 64]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يدعوا إليه" ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].

قوله: (يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته)، قال صاحب الفرائد: الذي حمله على هذا البيان أن حق المقام في الظاهر التعريف إدارة الحصر بأن يقال: هذا الصراط المستقيم، أو هذا هو الصراط المستقيم ليكون إثباتًا له ونفيًا لغيره؛ لأن الصراط المستقيم لم يمكن أن يكون غير هذا، لكن لهذا المعنى الدقيق اللطيف عدل إلى التنكير.

قوله: (ويجوز أن يراد: هذا بعض الصرط المستقيمة توبيخًا لهم عن العدول عنه)، أي: أن قوله: {هَذّا} بعض الطرق المستقيمة، مع أن الواقع أنه كل الطرق، بل ليس الطريق إلا هو، للإيذان بأن المخاطب قد تفادى وتحامى وانزوى عن سلوكه، يعني: هب أن هذا الطرق ليس من الطرق التي بلغت في الكمال غايته، أليس أنه بعض منها؟ وأقل ما عليك أن تعتقد أنه طريق لا يضل السالك فيه، فهضم من حقه ليكون توبيخًا للمخاطب على عدم التفاته إليه، وأهجم به على الغلبة وأبعث على التفكير لأنه من الكلام المنصف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015