تجازهم عليه حتى تؤمر، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: هي منسوخة بآية السيف. (وَتَوَكَّلْ عَلَى الله) فإنه يكفيكهم، وكفى به مفوّضا إليه. ولقائل أن يقول: وصفه الله بخمسة أوصاف، وقابل كلا منها بخطاٍب مناسب له: قابل الشاهد بقوله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وصفه الله تعالى بخَمْسةِ أوصاف، وقابل كُلاًّ مِنها بخطاب مناسب له) إلى آخره، نَظْمٌ في غايةٍ من الحُسْن لكنَّ في مُقابلةِ المُبشِّرِ بالإعراض عن الكافرين: كَلفةً، ولهذا قال القاضي: {وَبَشِّرِ} معطوف على محذوف مثل: فراقِبْ أحوالَ أمتك، لأن ما بعده قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} إلى آخره كالتفصيل له، وقابلَ المُبشِّرَ بالأمرِ بالبشارةِ للمؤمنين، والنذيرَ بالنهيِ عن مراقبةِ الكفار والمبالاةِ بأذاهم، والداعي إلى الله بتيسيره بالأمرِ بالتوكل عليه، والسراج المنير بالاكتفاء به، فإن مَنْ أنارَهُ الله برهانًا على جميعِ خلقه كان حقيقًا بأن يُكْتَفى به عن غيره.

وقلت: نظير هذا الآية ما رَوْينا عن البخاريِّ والإمامِ أحمدَ بن حنبل عن عطاء بن يسار قال: لقيتُ عبدَ الله بنَ عمروٍ وقلتُ: أخْبِرني عن صفةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببَعْض صفَتهِ في القرآن: يا أيها النبي، إنا أرسَلْناك شاهدًا ومُبشّرًا ونذيرًا وحِرْزًا للمؤمنين، أنتَ عَبْدي ورسولي سمَّيتُك المتوكِّلَ، ليس بفَظٍّ ولا غَليظٍ ولا صَخّابٍ في الأسواقِ ولا تدفَعُ السيئةَ بالسيئةِ ولكن تَعْفو وتصفَحُ، ولن يَقْبضَه الله حتى يُقَيم به المِلّةَ العَوْجاء ويفتحَ به أعُينًا عُمْيَا وآذانًا صُمًّا وقُلوبًا غُلْفا.

وقد روى الدارميُّ نحْوَه عن عبدِ الله بن سَلام.

فقولُه: ((حِرْزًا للمؤمنين)) مُقابلٌ لقوله تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} أي: بتيسيرِه وتسهيلِه، فإنّ دَعْوَتَه صلوات الله عليه إنما حصلت فائدتُها فيمن وفَّقه الله بتيسيره وتسهيله، فلذلك أمِنوا من مكارِه الدنيا وشدائد الآخرة، فكان صلوات الله عليه بهذا الاعتبار حِرْزًا لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015