[(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً)] 45 - 46 [
(شاهِداً) على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أى: مقبولًا قولك عند الله لهم وعليهم، كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم. فإن قلت: وكيف كان شاهدًا وقت الإرسال، وإنما يكون شاهدًا عند تحمل الشهادة أو عند أدائها؟ قلت: هي حال مقدرة كمسألة "الكتاب": مررت برجل معه صقر صائدًا به غدًا، أى: مقدرا به الصيد غدًا. فإن قلت: قد فهم من قوله: إنا أرسلناك داعيًا: أنه مأذون له في الدعاء، فما فائدة قوله: (بِإِذْنِهِ)؟ قلت: لم يرد به حقيقة الإذن، وإنما جعل الإذن مستعارًا للتسهيل والتيسير؛ لأن الدخول في حق المالك متعذر، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر، فلما كان الإذن تسهيلًا لما تعذر من ذلك؛ وضع موضعه؛ وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر، فقيل: (بإذنه) للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلا إذا سهله الله ويسره، ومنه قولهم في الشحيح: أنه غير مأذوٍن له في الإنفاق، أى: غير مسهل له الإنفاق؛ لكونه شاقًا عليه داخلًا في حكم التعذر. جلى به الله ظلمات الشرك، واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به. أو: أمدّ الله بنور نبوّته نور البصائر، كما يمدّ بنور السراج نور الأبصار. ووصفه بالإنارة؛ لأن من السرج ما لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (جَلّى به الله ظلماتِ الشرك)، اعلم أنّ قوله: ((سراجًا مُنيرًا)) موقعُه المُشبَّهِ بِه، والمشبه الكاف في {أَرْسَلْنَاكَ}، وهو على وجهين: أحدهما: أن يكون من التشبيهِ المركّبِ العقلي؛ شبهّه سُبحانه وتعالى بالسراجِ المنيرِ في كونه جَلّى به الظَّلماءَ وهَدى به الضالين.
وثانيها: أن يكون من التمثيلي، وهو أن يكون الوجْهُ منتزعًا من عدة أمور متوهمة، ولهذا اعتَبرَ شيئين: أحدُهما: قولُهك أمَدَّ بنور نبوتهِ نورَ البصائر، وثانيها: وصْفُه بالزيادة، ويجوز أن يكون الثاني مُفَرّقًا فالمشبّه به يكونُ حْسّيًّا والمشبَّه عَقْليًّا.