[(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) 86]
فإن قلت: قوله (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ما وجه الاستثناء فيه؟ قلت: هذا كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمةً من ربك. ويجوز أن تكون (إلا) بمعنى (لكن) للاستدراك، أى: ولكن لرحمة من ربك ألقى إليك.
[(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ الله بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) 87]
وقرئ: (يصدنك)، من أصدّه بمعنى صدّه، وهي في لغة كلب. وقال:
أناس أصدوا النّاس بالسّيف عنهم ... صدود السّواقى عن أنوف الحوائم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (محمولٌ على المعنى)، يعني: مَنْ رأى نفسَهُ أهلاً لشيءٍ وأُشعِرَ بأمارةٍ أو تَوهّمَ مَخيلةً رُبما تعلّقَ رجاؤُهُ بحصولِه؛ فإذا نُفِيَ الرجاءُ انتفى حصولُهُ بالكلية؛ فكانَ معنى {ومَا كُنتَ تَرْجُوا أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}: ما أُلقِيَ إليكَ الكتابُ لأمرٍ مِنَ الأمورِ إلا للرحمة؛ فانتَصَبَ {رَحْمَةً} على المفعولِ له.
قولُه: (أناسٌ أصدُّوا الناس) البيت، السواقي: جمعُ الساقية؛ وهيَ الجماعاتُ التي تَسقِي الإبل، والحوائم: الإبلُ الغرائب، وقيل: العِطاش. والسوافي -بالفاء-: الرياح. ويُروى: ((أنوفِ الخرائم)) وهيَ أنوفُ الجِبال، والأولُ أصّحُّ صاحبُ ((ديوانِ الأدب)): يقول: صَرَفوا الناسَ بالسيفِ عنْ أنفُسِهِم؛ يعني أنَّهمْ هَزَمُوهُمْ كما تَطْرُدُ السواقي غرائبَ الإبلِ عنْ إبِلِهِم، وكما يصدُّ السُّقاةُ عنِ الحوضِ غيرَها.