إذا آمنوا به وخلعوا أنداده. فإن قلت: بم انتصب رزقاً؟ قلت: إن جعلته مصدراً جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله؛ لأنّ معنى (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) ويرزق ثمرات كل شيء: واحد، وأن يكون مفعولاً له. وإن جعلته بمعنى: مرزوق، كان حالاً من الثمرات لتخصصها بالإضافة، كما تنتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة.

[(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) 58]

هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليهم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش، فغمطوا النعمة وقابلوها بالأشر والبطر، فدمرّهم الله وخرّب ديارهم. وانتصبت (مَعِيشَتَها) إمّا بحذف الجار وإيصال الفعل، كقوله تعالى: (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) وإمّا على الظرف بنفسها، كقولك: زيدٌ ظنى مقيم. أو بتقدير حذف الزمان المضاف، أصله: بطرت أيام معيشتها، كخفوق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وخلعوا أندادَه)، النهاية: هوَ مِن: خلعتُ الثوب؛ إذا ألقيتَهُ عنك. شُبِّهَتِ الطاعةُ واشتمالُها على الإنسانِ به، ومنهُ سُمِّيَ الأميرُ إذا عُزِل: خليعًا قَدْ لَبِسَ الإمارةَ ثُمّ خَلَعَها.

قولُه: (مِن إنعامِ الله عليهم بالرُّقودِ في ظلالِ الأمنِ وخفضِ العيش)، قال:

مَنْ كانَ بالدنيا أخا ثقةٍ بها ... والأمنُ مذهبُ ليلهِ ونهارهِ

عطفتْ عليهِ مِنَ الردي بقوابل ... قدْ نامَ عنها ناظرًا لحِذارِه

قولُه: (فغَمِطُوا)، أي: حَقّروا. وغمطُ الناس: الاحتقارُ لَهُمْ والإزراءُ بهم، قالُه الجوهري.

قولُه: (وإما على الظرفِ بنفسها)، سمّاهُ ظرفًا مجازًا؛ لأنهُ مصدرٌ مؤوّل. ويجوزُ أنْ يكونَ ((مفعلة)) للزمانِ والمكان؛ كقولِك: زيدٌ ظني مقيم؛ أي: في ظني، والعاملُ في ((ظني)) المنتَزَعُ مِنْ معنى الجملةِ كالإخبارِ والإسنادِ والحكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015