نفقته وأحواله فقال: الحسنة بين السيئتين، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية فقال لابنه: يا بنىّ، أهذا أيضا مما أعدّه؟ وقيل: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة، ولكن كانوا يأكلون ما يسدّ جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحرّ والقرّ. وقال عمر رضي الله عنه: كفى سرفا أن لا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله. والقوام: العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما. ونظير القوام من الاستقامة: السواء من الاستواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الحسنة بين السيئتين)، أي: الاقتصاد، وهو حسنةٌ بين الإسراف والتقتير، وهما سيئتان، ومن كلام بعضهم:
كلا طرفي [قصد] الأمور ذميم
وخير الأمور أوساطها.
قوله: (وقيل: أولئك أصحاب محمدٍ صلوات اله عليه)، عطفٌ على قوله: "وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير"، وعلى الأول كان عاماً فيهم وفي غيرهم. والمراد بالإنفاق الوسط: السخاوة التي هي بين التبذير والبخل. وعلى الثاني، الوسط: عبارةٌ عن الإنفاق على أنفسهم بما لا يبلغ إلى حد التلذذ والتنعم، بل يكون سد الجوعة، وستر العورة.
قوله: (ونظير القوام من الاستقامة: السواء من الاستواء)، يعني: نظيره في علة التسمية به، لا أنه مشتقٌ منه، لأن الثلاثي لا يشتق من المزيد، أي: إنما قلنا: قواماً للشيء الذي هو عدلٌ بين الشيئين لاستقامة الطرفين، وكذلك السواء من الاستواء.