والطهور على وجهين في العربية: صفة، واسم غير صفة، فالصفة قولك: ماء طهور، كقولك: طاهر، والاسم قولك لما يتطهر به: طهور، كالوضوء، والوقود، لما يتوضأ به وتوقد به النار. وقولهم: تطهرت طهورا حسنا، كقولك: وضوءا حسنا، ذكره سيبويه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بطهور" أي: طهارة. فإن قلت: ما الذي يزيل عن الماء اسم الطهور؟ قلت: تيقن مخالطة النجاسة أو غلبتها على الظنّ، تغير أحد أوصافه الثلاثة أو لم يتغير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي ليس بمطهر، لأن العرب لا تسمى الشيء الذي لا يقع به التطهير طهوراً، فمن هذا الوجه يجب أن يعلم، لا من التعدي واللزوم.
فإن قيل: هذا يشكل بقوله عز وجل في صفة شراب أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]، وبقول جريرٍ:
عذاب الثنايا ريقهن طهور
قلنا: لما وصف الله تعالى الماء في الدنيا بالطهارة، فجعله طهوراً، وهذا غاية ما يوصف به الماء، وصف ذلك الشراب أيضاً بهذا الوصف ليعتقد فيه من الطهارة ما اعتقدناه فيما وصفه من الماء، وإن كان ذلك أرفع وأشرف، وكذلك جريرٌ لما علم أن غاية وصف الماء أن يقال: طهورٌ، شبه الريق بالماء، وأحب أن يزيل عن الريق سمة النجاسة فلم يمكنه أن يصفه إلا بما يوصف به الماء، ألا ترى أنه قال: عذاب الثنايا، فوصفها بالعذوبة، وهي من صفة الماء، فكما أن العذب حقيقةٌ في الماء مجازٌ في غيره، كذلك الطهور حقيقةٌ في الماء مستعارٌ في الريق، وهذا واضحٌ جداً. انتهى كلام الزجاجي. الزجاجي: بالجيم الخفيفة.