يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين، فلم يكن له بدّ من التلقن والتحفظ، فأنزل عليه منجما في عشرين سنة. وقيل: في ثلاث وعشرين. وأيضا: فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين، ولأنّ بعضه منسوخ وبعضه ناسخ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرّقا. فإن قلت: "ذلك" في (كَذَلِكَ) يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدّمه، والذي تقدّم هو إنزاله جملة، فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرّقا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في عشرين سنةً، وقيل: في ثلاثٍ وعشرين)، روينا عن البخاري ومسلم والترمذي، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة خمس عشرة سنةً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يرى شيئاً سبع سنين وثماني سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشراً.
وفي رواية: أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنةً، فمكث ثلاث عشرة سنةً، ثم أمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي صلوات الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
قوله: (وأيضاً: فكان ينزل)، عطفُ على قوله: "أن يقوي بتفريقه فؤادك"، وهذا الوجه يتضمن فوائد، منها أن الحوادث السانحة تقتضي أحكاماً متجددة موافقةً لها.
ومنها: أن أسئلة السائلين تستجد أجوبةً مطابقة لها.
ومنها: أن المصالح تختلف بحسب الأزمان والأوقات، فزمان قلة العدد والعدد يستدعي أن يقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وزمان كثرة الشوكة يوجب أن يخاطبوا بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5].
قوله: (فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقاً؟ )، يؤيد به تفسيره قبل هذا وقوله: " {كَذَلِكَ}: جوابٌ لهم، أي: كذلك أنزل مفرقاً" يعني: إذا كان هذا جواباً عن قولهم كان المشار إليه المقدم ذكره: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً}، فكيف تفسر بقولك: "كذلك أنزل مفرقاً"؟ وتلخيص الجواب: أن مفهوم قوله: هلا أنزل عليه جملةً؟ ذلك، لأنهم إذا طلبوا أن ينزل عليه جملةً فهم منه أنهم أنكروا الحالة الموجودة، وهو النزول مفرقاً. وهذا الجواب من