وعن ابن عباس رضي الله عنه في تفسيرها: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ} في فرائضه {وَرَسُولَهُ} في سننه {وَيَخْشَ اللَّهَ} على ما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل. وعن بعض الملوك: أنه سأل عن آيةٍ كافية، فتليت له هذه الآية.
[{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 53].
جهد يمينه: مستعارٌ من جهد نفسه: إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه: من قال: بالله، فقد جهد يمينه. وأصل: "أقسم جهد اليمين": أقسم يجهد اليمين جهداً، فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَائِزُونَ} جزائيةٌ، مؤنةٌ بأن ما بعدها مسببةٌ عما قبلها، مما تضمنه الشرط من طاعة الله وطاعة رسوله، والخشية والتقوى، هي جامعةٌ لعموم أحوال المكلف، فإن الواجب عليه في الآن هو فيه طاعة الله وطاعة رسوله، وخشية الله على ما مضي، إن فرط منه تقصيرٌ فيتداركه، وتقوى الله فيما يستقبل من ترك ما يجب عليه أن يذره، والإتيان بما يجب عليه إتيانه، كما أشار إليه حبر الأمة، فعم الأوقات بأسرها والأفعال بأجمعها، من فعل ما ينبغي، وترك ما لا ينبغي، ولذلك قيل: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}، أي الكاملون في الفوز بمباغيهم ومطالبهم. ثم الآية كما هي تذييلٌ لما سبق، وتعريضٌ بالمؤمنين الذين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وبالمنافقين الذين يقولون: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، إلى قوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى آخر الآيات، بأن الأولين هم الفائزون بمباغيهم، والآخرين هم الدامرون الخاسرون، فالآية من الجوامع.
قوله: (أقسم يجهد اليمين جهداً)، هو كقولك: فلانٌ جهد نفسه، أي: يستفرغ طاقته، وكأن لليمين وسعاً وطاقةً وهو يجهد في استفراغه منها، وإليه الإشارة بقوله: "جهد يمينه" مستعارٌ من جهد نفسه، النهاية: جهد الرجل في الشيء: إذا جد فيه وبالغ، ومنه الجهاد، وهو استفراغ ما في الوسع والطاقة من قولٍ أو فعل. والاجتهاد: بذل الوسع في طلب أمر.