. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والخلاصة، ولهذا قال في جلاء مدلولها: وإليه ميل المصنف في الوجه الأول، حيث قال: "ونور السموات والأرض الحق شبهه بالنور في ظهوره وبيانه"، وقال أيضاً: "صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة"، فجعل الوجه الإضاءة، ألا ترى كيف اعتبر الزبدة بقوله: "هذا الذي شبهت به الحق نورٌ متضاعفٌ" إلى آخره؟
والوجه الثاني: من المركب الوهمي، حيث تصور في المشبه الحالة المنتزعة من المشبه به، وهي قوله: من حيث إنه محفوفٌ بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم.
والوجه الثالث: من التشبيه المفرق الذي يتكلف فيه للمشبه أشياء متعددةٌ مناسبةٌ لما في المشبهات بها، لكنه مبنيٌ على أصول الحكماء، والمقام ينبو عنه كما ترى.
والوجه الرابع الذي عليه قراءة أبي أقرب، وللمقصود أدعى، ولكن يفتقر إلى فضل تقرير، وذلك أنه لما تقرر في المطلب الأول أن المراد بالنور: الهداية بوحي ينزله ورسولٍ يبعثه، فالواجب أن لا يتجاوز عن حديث الوحي والموحى إليه، فالمشبهات المناسبة صدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقلبه، واللطيفة الربانية فيه والقرآن نفسه وما يتأثر منه القلب عند استمداده، فهذه مراتب خمسٌ مفيضةٌ ومستفيضةٌ على ترتيب فيض الله على العباد، ومن أراد الوصول فهذه السبيل، وإلا فـ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
وأما التفصيل فإنه شبه صدره صلوات الله عليه بالمشكاة، لأنه كالكوى ذو وجهين فمن وجه يقتبس النور من القلب المستنير، ومن آخر يقتبس ذلك النور المقتبس على الخلق، وذلك لاستعداده بانشراحه مرتين: مرةً في صباه وأخرى عند إسرائه، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]، هذا تشبيهٌ صحيحٌ قد اشتهر عند جماعةٍ من المفسرين.