ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) تخلصاً إلى الدلائل؛ لأن معناه: بل أتيناهم بالحق من التوحيد، والوعد بالنشور، وإنهم لكاذبون حيث أنكروا ذلك، وفي التذييلات الثلاث من الأدنى إلى الأغلظ في التعريض، وأنها من الأمور المسلمة، لقوله: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ).

أما قوله: (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فمعناه: إنكم تعلمون علم يقينٍ أن الأرض وما فيها ملكه، وهو فطرها اختراعاً، أفلا تذكرون أن من كان قادراً على ذلك كان قادراً على إعادة الخلق، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم: 27]؟ أي: عندكم وفي تقديركم، وكان حقيقاً بأن لا ينسبوا إليه الولد، وأن لا يشركوا به بعض خلقه، ويتنبهوا على أنه عالمٌ بالأشياء كلها.

وقوله: (أَفَلا تَتَّقُونَ) أبلغُ من الأول وأزجر، يعني: أنكم بعد ما تيقنتم بالدلائل الدالة، ثم ذكرتم بالوحي أن الأمر كذلك، لم لا تمتنعون عما أنتم عليه، ولا تمسكون عن الإنكار، أفلا تتقون، فتخافون عقابه؛ لأن من غفل ربما عُذر. وقوله تعالى: (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أبلغ منها في التعيير والتقريع، يعني: أنكم مع ذلك كله معاندون مكابرون، كأنكم ما عرفتم ذلك ولا نبهتهم عليه، فلا شك أنكم مسحورون مسلوبو العقول، متبعو الهوى والشيطان.

الراغب: (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أي: من أين يأتيكم ما يغلب على عقولكم فيخيل الباطل إليها حقا، والقبيح عندها حسناً، أمن علمكم بأن الله تعالى مالك الأرض ومن فيها، أم من علمكم بأنه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، أم من علمكم بأن له الملك الأغلب، والعز الأبلغ، وأنه يمنعُ منه، ويحمي عن عقابه ولا يحمى منه، وليس في شيء من ذلك ما يرى الفاسد والمعوج قويماً، فبهذا الذي خُتمت به الثالثة ما يتمم معناه بخواتم ما قبله وكل في مكانه اللائق به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015