صبأ وترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما يحكى عن أبي طالب. فإن قلت: يزعم بعض الناس أنّ أبا طالب صحّ إسلامه. قلت: يا سبحان الله، كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس رضى الله عنهما، ويخفى إسلام أبى طالب!

] (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)) [

دل بهذا على عظم شأن الحق، وأنّ السماوات والأرض ما قامت ولا من فيهن إلا به، فلو اتبع أهواءهم لانقلب باطلا، ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزمخشري: من يتركُ الإيمان لأجل آبائه لم يكن كارهاً غير صحيح، فمن أحب شيئاً كره ضده، فلما أبو االبقاء على كفرهم، كرهوا الانتقال عنه، واستجره الكلام إلى تحقيق موت أبي طالب، أي: في حال كونه غير كاره للإيمان.

وقلتُ: من امتنع عن الإسلام بمجرد التقليد لا يكون إلا مُحباً له في نفسه، غير كاره إياه، ومبغضاً لضده، وهو الكفرُ.

وقال صاحب "الانتصاف": والأحسن أن يعود الضمير في (وَأَكْثَرُهُمْ) على الجنس بجملته، كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 8]، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103]، لقوله: (بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ)، وقد جاء به للناس كافةً، ويحتمل أن يُراد بالأكثر: الكلُّ، كما حمل القليل على النفي. وقلتُ: هذا أقرب، والأول مردودٌ؛ لما يلزم منه الاختلاف في الضمائر، وأيضاً، الأسلوب الذي ذهب إليه تذييلٌ، فلابد من إقامة المظهر فيه مقام المضمر، وهو أن يُراد بالأكثر الكل.

قوله: (يا سبحان الله)، "سبحان الله": كلمةُ تنزيه، ثم استعمل في التعجب، كأنه قيل: يا عجباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015