[(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63)) [

يعنى أن هذا الذي وصف به الصالحين غير خارج من حدّ الوسع والطاقة، وكذلك كل ما كلفه عباده وما عملوه من الأعمال فغير ضائع عنده، بل هو مثبت لديه في كتاب، يريد اللوح، أو صحيفة الأعمال ناطق بالحق لا يقرءون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل، لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحد. أو أراد: إن الله لا يكلف إلا الوسع، فإن لم يبلغ المكلف أن يكون على صفة هؤلاء السابقين بعد أن يستفرغ وسعه ويبذل طاقته فلا عليه، ولدينا كتاب فيه عمل السابق والمقتصد،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو من الغبر: البقيةُ، أي: داهيةٌ باقية، أو من غبره اللونُ، كقولهم: داهيةٌ زباء، أو من غبرة اللبن فكأنها هي الداهية التي وإن انقضت بقي لها أثر، أو من قولهم: عرق غبرٌ، أي: ينبض مرة بعد أخرى، وقد غبر العرق.

قوله: (يعني أن هذا الذي وصف به الصالحين)، إلى قوله: "وكذل كل ما كلفه عباده" إشارةٌ إلى أن قوله تعالى: (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) الآية كالتذييل للآيات السابقة، والتأكيد لمضمونها، وإنما خصه بالصالحين؛ لأن مذهبه أن العاصين خارجون من المذكور. لكن قوله: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ) مؤذن بأنهم داخلون فيه؛ فإن المذكور من قبل الخشية، والإيمان، ونفي الشرك والوجلُ مع العصيان كما مر، ولا ارتياب أن أعمال المعاندين على عكس ذلك. ودل قوله تعالى: (هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) أنهم غيرُ عاملين لغيرها.

قوله: (أو أراد أن الله تعالى لا يكلف)، عطفٌ على قوله: "يعني: أن هذا الذي"، فعلى هذا لا يكون تأكيداً، بل استطرداً وبياناً لحكم غير المذكورين من المقتصدين، ولهذا قال: "ولدينا كتابٌ فيه عملُ السابق والمقتصد".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015