هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما، وكيف والرسل إنما أرسلوا متفرّقين في أزمنة مختلفة. وإنما المعنى: الإعلام بأنّ كلّ رسول في زمانه نودي لذلك «1» ووصى به، ليعتقد السامع أنّ أمرا نودي له جميع الرسل ووصوا به، حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه. والمراد بالطيبات: ما حل وطاب. وقيل: طيبات الرزق حلال وصاف وقوام، فالحلال: الذي لا يعصى الله فيه، والصافي: الذي لا ينسى الله فيه، والقوام: ما يمسك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما، وكيف والرسل إنما أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة؟ )، الانتصاف: هذه نفحةٌ اعتزالية، فمذهبنا أن الله تعالى في الزل متكلمٌ آمرٌ ناه، ولا يشترط في الأمر وجود المأمورين، بل الخطاب أزلاً على تقدير وجود المخاطبين. والمعتزلة أنكروا قدم الكلام، فحملوا الآية على خلاف ظاهرها، وما ذكروه جار في جميع الأوامر العامة للأمة.
وقال القاضي: الخطابُ لجميع الأنبياء عليهم السلام على معنى أن كلا منهم خوطب في زمانه، فيدخل تحته عيسى عليه السلام دخولاً أولياً، أو يكون ابتداء كلام ذكر تنبيهاً على أن تهيئة أسباب التنعيم لم تكن له خاصة، وأن إباحة الطيبات للأنبياء عليهم السلام شرعٌ قديم، واحتجاجاً على الرهبانية في رفض الطيبات، أو حكاية لما ذُكر لعيسى عليه السلام ومريم وإيوائهما إلى الربوة، ليقتديا بالرسل في تناول ما رُزقا. وقيل النداء له، ولفظ الجمع للتعظيم.
قوله: (ويُعمل عليه)، ضمن "يُعمل" معنى المواظبة، أي: يواظب عليه في العمل.
قوله: (والمراد بالطيبات: ما حل وطاب)، قال القاضي: والطيباتُ: ما يُستلذُّ من المباحات.