والمعنى أنّ الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضلّ في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه: 124 - 126].

الضنك: مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث. وقرئ (ضَنْكاً) على (فعلى). ومعنى ذلك: أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة، فيعيش عيشا رافغا كما قال عز وجل:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقابلان لقوله: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

قوله: (الضنك: مصدر)، الراغب: (ضَنكاً) أي: ضيقاً، وقد ضنُكَ عيشه، وامرأةٌ ضناكُ: مكتنزةٌ. والضناك: الزكامُ، والمضنوك: المزكوم.

قوله: (أن مع الدين التسليم)، تأويل المعنى قوله: (ذِكْرَى) [طه: 124] المرادُ به القرآن؛ لأن الدين منه، ويؤيده قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة: 66].

قوله: (فيعيش عيشاً رافعاً)، الجوهري: الرفعُ: السعةُ والخصبُ، يقالُ: رفع عيشه- بالضم- رفاعةً: اتسع فهو عيشٌ رافعٌ ورفيع، أي: واسعٌ طيب.

الراغب: العيشُ: الحياةُ المختصةُ بالحيوان، وهو أخص من الحياة؛ لأن الحياة تقالُ في الحيوان، وفي البارئ وفي الملك، وتشتق منه المعيشة لما يُتعيشُ منه؛ قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الزخرف: 32]، وقال في أهل الجنة: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) [القارعة: 7]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا عيش إلا عيشُ الآخرة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015