بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله (ما فِي يَمِينِكَ) ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيرا لها، أى: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وجائز أن يكون تعظيما لها أى: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها، فألقه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غير الأول فيتعلق قوله: "بالاستئناف" بقوله: "تقريرٌ لغلبته" ويتعلقُ البواقي بقوله: "وتوكيدٌ". أما دلالةُ الاستئناف على تقرير الغلبة والقهر فهي أنه لما قيل له: (لا تَخَفْ)، أي: لا تُبالِ، سأل: لم ذاك والحالُ حالُ استشعار الخوف؟ فأجيب: (إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى)، وأما دلالة لام التعريف على تقرير الغلبة فإنها للجنس. وقد دخلت على الخبر فأفادت أن حقيقة العُلو والغلبة مختصةٌ بك لا تتعدى إلى غيرك. وقوله: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) أمرٌ عُطف على النهي وهو: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى)، وفصل فيه ما كان مجملاً في (أَنْتَ الأَعْلَى) بقوله: (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا) إلى قوله: 0 آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى).

قوله: (جائزٌ أن يكون تصغيراً لها)، خبرٌ لقوله: (مَا فِي يَمِينِكَ)، فـ"ما" حينئذٍ: موصولةٌ، والصلة تدل على التحقير، أي: ألق الذي اشتمل عليه يمينك من العُويد الخفيف الحقير، وعلى تقير أن يكون تغظيماً لها: "ما" موصوفة أنها منه، والتنكير للتعيم، أي: ألق شيئاً استقر في يمينك، أي: شيئاً عظيماً، وإلى الأول الإشارة بقوله: "الصغير الجرم الذي في يمينك"، وإلى الثاني بقوله: "لا تحتفل" إلى قوله: "فإن في يمينك شيئاً أعظم منها"، قال صاحب "الانتصاف": ويحتملُ وجهاً آخر، وهو أن الله تعالى غنما قال لموسى عليه السلام: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قيل له: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) وأظهر له معجزتها فآنسه بأن خاطبه مما خاطبه به وقت ظهور آيتها لينبه على ما فيها من المعجزة القاهرة، ويقوي قلبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015