والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفا من غلبتهما. وتثبيطا للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.

وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى)، أي: ثُم أتى بجميع ما رأى أن يؤتي به من القوم والسحرة والآلات، فلما حضر موسى للميقات ونظر إلى السحرة وما استعدوا به قال: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً) فحينئذ تنازع السحرة أمرهم وأسروا النجوى، وقالوا: ما هذا بقول ساحر، ثم اتجه لسائل أن يقول: ما فعل فرعونُ وقومه عند هذا التقاعد والتواني وما قالوا للسحرة؟ أجيب: قالوا: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) إلى قوله: (اسْتَعْلَى).

قوله: (وتجاذبوا أهداب القول)، استعارةٌ، وتجاذبوا ترشيحها، والمجموع كنايةٌ عن أن الكلام ذو شجون. وفيه أن كلامهم كان أقوالاً ملفقةً لا حقيقة لها؛ لأن هدبة الثوب مثل في الرخاوة، يدل عليه قوله: "في تلفيق هذا الكلام وتزويره"، ويروى: "وترويزه"، من الروز، وهو الذوق، يقال: راز العدل، أي: حركه، هل يقدرُ على حمله أم لا؟

قوله: (خوفاً من غلبتهما)، يريد أن نجواهم في السر كان لتلفيق قوله: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) يعني: إن صرحنا بالحق نخافُ من غلبتهما علينا بأن يقولا: فاتبعونا إذن. ومن تثبيط الناس أيضاً، فإنهم إذا سمعوا ذلك رغبوا في اتباعهما، فالواجب أن يقول: إن هذين لساحران، فيأمن من ذلك، هذا يقوي رواية من روى "تزويره" بالراء بعد الزاي.

قوله: (قرأ أبو عمرو: "إن هذين")، وفي "التيسير": وقرأ ابنُ كثيرٍ وحفص: (إِنْ هَذَانِ) بإسكان النون والباقون بتشديدها. وقرأ أبو عمرو: "هذين" بالياء، والباقون: بالألف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015