قلت: لم وحد؟ قلت: وحد توحيده قوله عليه الصلاة والسلام: «وهم يد على من سواهم» لاتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم ومعنى كون الآلهة عونا عليهم: أنهم وقود النار وحصب جهنم، ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها وإن رجعت الواو في (سيكفرون) و"يكونون" إلى المشركين، فإن المعنى: ويكونون عليهم - أي أعداءهم - ضدا، أى: كفرة بهم، بعد أن كانوا يعبدونها.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم: 83].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهم يدٌ على من سواهم)، الحديث من رواية النسائي، عن أبي حسان، عن علي رضي الله عنه: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم".
النهاية: تتكافأ دماؤهم، أي: تتساوى في القصاص والديات، والكفؤ: النظير والمُساوي، وهم يدٌ على من سواهم، أي: مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضاً على جميع الأديان، كأنه جعل أيديهم يداً واحدة وفعلهم فعلاً واحداً، ونظيره: جعل الفُساق يداً يداً، أي: فرق بينهم، فإذا أفردت اليد في مقام الجمع، دل على الاتفاق والاجتماع، وإذا جمعت أريد الشتات والافتراق.
وقال صاحب "الفرائد": إنما وحد لأنه ذكر في مقابله قوله: (عزاً) وهو مصدرٌ يصلح أن يكون جمعاً، فهذا وإن لم يكن مصدراً لكن يصلح أن يكون جمعاً بالنظر إلى ما يُراد منه، وهو الذل، وكأنه قيل: ويكونون عليهم خلافاً.
قوله: (ويكونون عليهم أي: أعدائهم)، جاء في كلامهم: الناس عليكم، أي: أعداؤكم، ومنه: اللهم كُن لنا ولا تكن علينا، وعلى هذا الضمير في (عَلَيْهِمْ) للمعبودين، وفي (سَيَكْفُرُونَ) ويكونون للكفرة، أي: يكونون على معبوديهم كافرين بعد أن كانوا عابدين.