هلا عديَّ (اصْطَبِرْ) بـ"على" التي هي صلته، كقوله تعالى: (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول المتقين حين يدخلون الجنة، وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) من كلام الله تعالى تقريراً لقولهم. وفيه أنه إذا جُعل بدلاً من (رَبُّكَ)، لا يجوز أن يكون (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) من كلام المتقين، بل إما من كلام الله تعالى أو كلام الملائكة؛ لأن المتقين إذا قالوا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) ويكون قوله: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) بدلاً منه، يبقى قوله: (فَاعْبُدْهُ) لا متعلق له، فإنه كما تقرر حكمٌ مرتبٌ على الوصف السابق، ولا جائز أن يكون من تتمة كلام المتقين؛ لأن الجنة ليست دار تكليف وعبادة. وأما إذا جُعل جملة مستقلة مقتطعةً عن كلام المتقين يترتبُ عليها (فَاعْبُدْهُ) ويصحُّ؛ اللهم إلا أن يُجعل الفاءُ جزاء شرطٍ محذوف، ويكون من كلام رب العزة، أي: لما عُرفَ من أحوال أهل الجنة وأقوالهم على هذه الصفة فأقبل على العمل واعبده.
قال صاحب "التقريب": وقيل: هي حكاية قول المتقين، أي: وما ننزلُ الجنة إلا بإذن من الله علينا بثواب أعمالنا، وأمرنا بدخولها، وقرر الله ذلك، أي: وما كان ربُّك نسياً لأعمال المتقين. وفيه حزازةٌ لقوله: (بِأَمْرِ رَبِّكَ) دون ربنا، إلا أن يُخاطبوا به جبريل حين دُخولها.
وقلتُ: المرادُ أنهم بسرورهم وتبجحهم بما فازوا به من الكرامة والنعيم يُقبلُ بعضهم على بعض يبشرون، وهو أبلغ من لو قيل ربُّنا؛ لأن دلك على أن البشارة بلغت بحيث لم يختص بها مبشرٌ دون مبشَّر، بل كل من يتأتى منه البشارة فهو مبشرٌ.
قوله: (هلا عُدي "اصطبر" بـ"علي"؟ ) يعني: "اصطبر" يُعدى بـ"على" لا باللام، فلمَ خُولف؟ وأجاب أن التركيب من باب الاستعارة، وفيه تضمين معنى الثبات، شُبهت العبادة بالقرن، وهو كفؤك في الشجاعة، ثم أُمر المكلفُ بالمكابدة معها بما يؤمرُ به من يريد مدافعة قرنه ومزاولته في الحرب، وهو كقوله: اصطبر لهُ، وهذا هو المرادُ من قوله: "جُعلت العبادةُ بمنزلة القِرن". ولما ضمن "اصطبر" معنى "اثبُت" عُديَ تعديته، أي: