أي: في عين ماء ذي طين وحمأ أسود، ولا تنافى بين الحمئة والحامية، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً.

كانوا كفرة فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم، فقال: أمّا من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك: فذلك هو المعذب في الدارين (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ) ما يقتضيه الإيمان (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) وقيل: خيره بين القتل والأسر، وسماه إحسانا في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنشد ابن عباس هذا البيت وقد حاجه عمر في قوله تعالى: (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ).

قوله: (وقيل: خيره بين القتل والأسر): عطفٌ على قوله: "فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام" المعنى بقوله: (أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)، وهو على الأول ظاهرٌ، فأما الأسرُ فليس فيه إحسانٌ، حتى يُقال: (أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)؛ ولهذا قال: "وسماه إحساناً في مقابلة القتل"؛ لأن من استحق القتل فإذا صُولح معه بالأسر فقد عُوملَ معهُ بالإحسان. قال القاضي: ويؤيدُ الأول قوله: (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً) أي: اختار ذو القرنين الدعوة؛ ولذلك قال: (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) أي: أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره وشركه؛ لأن الشرك ظُلم، فأعذبه أنا ومن معي بالقتل في الدنيا، ثم يعذبه الله في الآخرة عذاباً لم يُعهد مثله.

وقلتُ: أما على الوجه الثاني فإنه تعالى لما خيره بين القتل والأسر، وكان حقه أن يقول لهم: اختاروا إما القتل وإما الأسر، فترك ذلك إلى الدعوة، وقال: (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ)، (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ)، فآثر حق الله على حق نفسه، وقال من ظلم، أي: بقي على شركه، فالقتل والأسر مني (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً)، ومن آمن وعمل صالحاً فجزاؤه عند الله الجنة، وعندي القول الميسور، فقدم في جانب العذاب ما كان منه على ما هو من الله، وعكس في جانب الرحمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015