وإنما يكون العجز حيث تكون القدرة، فيقال: الله قادر على خلق الأجسام والعباد عاجزون عنه. وأما المحال الذي لا مجال فيه للقدرة ولا مدخل لها فيه كثاني القديم، فلا يقال للفاعل: قد عجز عنه، ولا هو معجز. ولو قيل ذلك لجاز وصف الله بالعجز، لأنه لا يوصف بالقدرة على المحال، إلا أن يكابروا فيقولوا هو قادر على المحال، فإن رأس ما لهم المكابرة وقلب الحقائق.
[(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)].
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) ردّدنا وكرّرنا (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه. والكفور: الجحود. فإن قلت: كيف جاز (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ولم يجوز ضربت إلا زيدا؟ قلت: لأن "أبي" متأوّل بالنفي، كأنه قيل: فلم يرضوا إلا كفوراً.
[(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى، ويُسمى قرآنا وكلمات أيضاً، والمعجز: الدليل لا المدلول، لكن أهل السُّنة يتحرزون من إطلاق المخلوق لوجهين: لإيهامه، ولأن السلف الصالح كفوا عنه، وكم من مُعتقدٍ لا يُطلق القول به خشية من إيهام غيره، فلا يصح إلزام الزمخشري.
وقلتُ: الوجه الأخير لصاحب "التقريب" هو الوجه، لما قرره المصنف في قوله: (فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة: 23] فإن قلت: ما مثله حتى يأتوا بسورة من ذلك المثل؟ قلت: معناه بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حُسن النظم، ومن ثم لم تكن سائر الكتب السماوية معجزة، وإن كُن مثل القرآن في ذلك المعنى.