خلق عظيم روحانى أعظم من الملك. وقيل: جبريل عليه السلام. وقيل: القرآن. (ومِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي: من وحيه وكلامه، ليس من كلام البشر، بعثت اليهود إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبىّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة، فندموا على سؤالهم.
(وَما أُوتِيتُمْ) الخطاب عام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الروح، وأنه صلوات الله عليه أجاب عنه بأحسن الوجوه بقوله: (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)، يعني أنه موجود محدثٌ بأمر الله، وتكوينه، وتأثيره إفادة الحياة للجسد، ولا يلزمُ من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه، فإن أكثر حقائق الأشياء وماهياتها مجهولة، ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها، ويؤيده قوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، وقال القاضي: يجوز أن يكون السؤال عن قدمه وحدوثه، فأجيب: أنه وُجد بأمره وحدث بتكوينه.
قوله: ((وَمَا أُوتِيتُمْ) الخطاب عامٌّ)، قال القاضي: يعني قوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) أنكم تستفيدونه بتوسط حواسكم، فإن اكتساب العقل للعلوم النظرية مستفادٌ من إحساس الجزئيات، ولذلك قيل: من فقد حسا فقد علما، ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شيئاً من أحواله المعرفة لذاته، وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، كما اقتصر موسى عليه السلام في جواب (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء: 23] بذكر بعض صفاته. تم كلامه.
فإن قلت: ما موقع هذا السؤال في هذا المقام قلت- والعلم عند الله-: الروح والعلمُ توأمان وموهبتان وعظيمتان لا سيما الوحي، ولذلك قُرن بقوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) وعقبه بقوله: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، وعقب به (وَنُنَزِّلُ