والساحر والمجنون (فَضَلُّوا) في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع.
[(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا* أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا)].
لما قالوا: (أَإِذا كُنَّا عِظامًا) قيل لهم (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا) فردّ قوله: كونوا، على قولهم: (كُنَّا)، كأنه قيل: كونوا حجارة أو حديدا ولا تكونوا عظاما، فإنه يقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسموا الغذاء سحراً من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره، قال تعالى: (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر: 15] أي: مصروفون عن معرفتنا بالسحر، وعليه قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ) [الشعراء: 153]، قيل: ممن جُعل له سحرٌ، تنبيهاً أنه محتاج إلى الغذاء، كقوله تعالى: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَاكُلُ الطَّعَامَ) [الفرقان: 7]، ونبه على أنه بشرٌ كما قال: (مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا) [الشعراء: 154]، وقيل: معناه: ممن جُعل له سحرٌ يتوصل بلطفه وبدقته إلى ما يأتي به ويدعيه، وعلى الوجهين حُمل قوله تعالى: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً) [الإسراء: 47]، وقوله تعالى: (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً)، وعلى الثاني دل قوله تعالى: (إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) [سبأ: 43].
قوله: ((فُضِّلُوا) في جميع ذلك ضلال من يطلُب)، إشارة إلى أن قوله: (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) تمثيلٌ، مثل حال هؤلاء في تحيرهم وضلالهم فيما يجادلونه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحال من ضل في التيه ويطلب طريقاً يسلكه فلا يقدر عليه والجامع التحير وعدم الدراية فيما يصنع.
قوله: (فرد قوله: (كُونُوا) على قولهم: (كُنَّا)، أي: أطبقه جواباً على طريقة المشاكلة، المعنى: أورد هذا القول على قولهم: وقذف بالحق على باطلهم، فإنهم لما استبعدوا أن يُبعثوا خلقاً جديداً بعد كونهم عظاماً قيل لهم: (كُونُوا) الآن أبعد شيء من الحياة، فإنكم