(هَذَا الْبَلَدَ) يعني: البلد الحرام، زاده الله أَمناً، وكفاه كل باغٍ وظالم، أَجاب فيه دعوة خليله إبراهيم عليه السلام (آمِناً): ذا أمن.
فإن قلت: أي: فرق بين قوله (اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [البقرة: 126] وبين قوله: (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)؟ قلت: قد سأل في الأوّل: أَن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني: أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف، فاجعله آمناً.
(وَاجْنُبْنِي): وقرئ: "وأجنبني"، وفيه ثلاث لغات: جنبه الشر، وجنبه، وأجنبه، فأهل الحجاز يقولون: جنبني شره بالتشديد-، وأهل نجد جنبني وأجنبنى، والمعنى: ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلاَّ الْمُصَلِّينَ) [المعارج: 19 - 22] إلى آخره.
قوله: (قد سأل في الأول: أن يجعله من جملة البلاد) إلى آخره، وهو أحد معاني "جعل"، وهو تصيير شيء شيئاً، فعلى الأول: تقدير الآية: اجعل هذا البلد بلداً ذا أمن، أو آمناً من فيه، كقولك: نهاره صائم، فـ (آَمِناً) صفة (بَلَداً). وعلى الثاني: هذا البلد ذا أمن، فـ (آَمِناً) مفعول ثان، و"البلد" وصف للمفعول الأول، فلابد من تقدير الخوف ليصح تصييره ذا أمن. فعلى الأول: كأنه ليس بلداً في ذلك الوقت، فسأل أن يجعله بلداً آمناً، وعلى الثاني: السؤال لحصول الأمن بعد وجدانه.
قال صاحب "التقريب": "وحيث قال: (بَلَداً آَمِناً) سأل جعله بلداً موصوفاً، وحيث قال: (هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً) سأل صفة أمنه.