فإن قلت: النهي عن النقصان أمر بالإيفاء فما فائدة قوله (أوفوا)؟ قلت: نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، لأنّ في التصريح بالقبيح نعياً على المنهي وتعييراً له، ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي هو حسن في العقول مصرحاً بلفظه، لزيادة ترغيب فيه وبعث عليه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وصاحب "الفرائد" حين اعتبر ظاهر اللفظ، وترك إمعان المعنى، قال: ومن وصف العذاب بالإهلاك، وهو مضاف إلى اليوم، لا يلزم أن يكونوا هالكين في ذلك اليوم، لأنه لا يمكن أن تكون إضافة العذاب إلى اليوم بسبب أن ظهوره في ذلك اليوم، وإن وصف اليوم بالإهلاك، فيقتضي هلاكهم في ذلك اليوم، لأن ظاهر المعنى: اليوم مهلك، فهو من قبيل: نهاره صائم، فحاصل المعنى: أن ما في اليوم مهلك.

قوله: (النهي عن النقصان أمر بالإيفاء، فما فائدة قوله: (أَوْفُوا)؟ )، الانتصاف: "لمن قال: إن الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده أن يستدل بهذه الآية، وإلا لكانت تكراراً، وفي كلام الزمخشري وهم، فإنه ظن أن النهي قبل أمر بالوفاء، وهي غفلة منه، وتعليله بالحسن والقبح من قواعده".

وقلت: وهم صاحب "الانتصاف"، لأن جوابه: "نهوا أولاً عن عين القبيح الذي كانوا عليه" لأجل التصريح بالقبيح، ليكون تعييراً، ثم ورد الأمر ثانياً لزيادة ترغيب فيه، يدل على أنه ليس من باب قوله: النهي عن الشيء أمر بضده، وإنما هو من باب التأكيد والتذييل للمبالغة، ففي الأول تصوير قبح القبيح، وفي الثاني إظهار حسن الحسن.

قالا لإمام: "ليس للقائل أن يقول: النهي ضد الأمر، فكان التكرير لازماً، لأنا نقول: إنه تعالى جمع بين الأمر بالشيء وبين النهي عن ضده للمبالغة، كما تقول: صل قرابتك ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015