أو على لفظ: (مِثْقالِ ذَرَّةٍ) فتحاً في موضع الجرّ لامتناع الصرف: إشكال، لأنّ قولك "لا يعزب عنه شيء إلا في كتاب" مشكل.

فإن قلت: لم قدّمت "الأرض" على "السماء"، بخلاف قوله في سورة سبأ: (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (سبأ: 3)؟ قلت: حق السماء أن تقدم على الأرض، ولكنه لما ذكر شهادته على شئون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ووصل بذلك قوله: "لا يَعْزُبُ عَنْهُ"، لاءم ذلك أن قدّم الأرض على السماء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعن الراغب: "العازب: المتباعد في طلب الكلأ عن أهله، يُقال: رجل عزب، وامرأة عزبة، وعزب عنه حلمه".

قوله: (لما ذكر شهادته على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم) إلى قوله: (لاءم ذلك أن قدم الأرض على السماء) يريد: أن في الآية الترقي من الأهون إلى الأغلظ، وأن الكلام في أعمال العباد، وذلك أن سياق الكلام من ابتداء قوله: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس: 41] إلى هاهنا، في تقبيح أعمال الكفرة، وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم مما بلا من مقاساة القوم وطعنهم في الدين، يدل عليه قوله تعالى بعد هذا: (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس: 65]، وكان الاهتمام بشمول العلم والإحاطة التامة ليترتب عليه الوعد والوعيد بجزاء الأعمال، أوجب الترقي من الأهون إلى الأغلظ.

ألا ترى كيف بدأ الخطاب مع حبيبه بخاصة نفسه، وقال: (وَمَا تَكُونُ فِي شَانٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ)، ثم ثنى بما هو أعم خطاباً ومعلوماً، وقال: (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ)، ثم رجع إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015