وعلى العكس، (وَعْداً) مصدر مؤكد، وأخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت، قد أثبته (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) كما أثبته في القرآن، ثم قال: (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) لأنّ إخلاف الميعاد قبيح، لا يقدم عليه الكرام من الخلق، مع جوازه عليهم لحاجتهم إليه، فكيف بالغنى الذي لا يجوز عليه قبيح قط؟ ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعد ثابت قد أثبته (فِي التَّوْرَاةِ): يعني: (حَقّاً) بمعنى: ثابتاً، وكان من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن، فقرن التوراة والإنجيل معه في سلك واحد، ليؤذن بالاشتراك، ولذلك أتى بحرف التشبيه وقال: "كما أثبته في القرآن"، إلحاقاً لما لا يُعرف بما يُعرف.
قوله: (لأن خلاف الميعاد قبيح) إلى آخره: تعليل لما يُعطيه الاستفهام وبناء "أفعل" في قوله: (وَمَنْ أَوْفَى) من معنى المبالغة.
قوله: (ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ): وذلك أنه تعالى لما مثل صورة بذل المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وصورة إثابته عز وجل إياهم به بالجنة، بالبيع والشراء، أتى بقوله: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) بياناً، لأن مكان التسليم المعركة، لأن البيع سلم، ومن ثم قيل: (بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ)، ولم يقل: بالجنة، وأبرز الأمر في صورة الخبر، ثم ألزم البيع من جانبه، وضمن إيصال الثمن إليهم، بقوله: (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)، أي: لا إقالة ولا استقالة من حضرة رب العزة سبحانه وتعالى، ثم ما اكتفى بذلكن بلعين الصوك المثبت فيها هذه المبايعة، وهي التوراة والإنجيل والفرقان، وأذن بالسجل أيضاً، وهو قوله: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ)، وخصه باسمه الجامع،