فإن قلت: إن صح تعليق التعذيب بإرادة الله تعالى، فما بال زهوق أنفسهم و (َهُمْ كافرون)؟ قلت: المراد الاستدراج بالنعم، كقوله تعالى: (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران: 178]، كأنه قيل: ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا وهم كافرون، ملتهون بالتمتع عن النظر للعاقبة.
[(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) 56 - 57].
(لَمِنْكُمْ): لمن جملة المسلمين، (يَفْرَقُونَ): يخافون القتل وما يفعل بالمشركين، فيتظاهرون بالإسلام تقية.
(مَلْجَأً): مكاناً يلتجئون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة، (أَوْ مَغاراتٍ): أو غيرانا، وقرئ بضم الميم، من أغار الرجل وغار إذا دخل الغور. وقيل: هو تعدية: غار الشيء وأغرته أنا، يعنى: أمكنة يغيرون فيها أنفسهم. ويجوز أن يكون من: أغار الثعلب: إذا أسرع، بمعنى مهارب ومفارّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن صح): أي: إن صح تعليق التعذيب بإرادة الله، فكيف يصح إرادة موتهم على الكفر؟ السؤال مبني على مذهبه أن كفر الكافر لا يجوز أن يكون مسبباً عن إرادة الله. وحاصل الجواب: أن المراد بتعليق الكفر بإرادة الله: إبلاء الله إياهم ما به يشتغلون عن النظر في العاقبة استدراجاً، فيؤديهم ذلك إلى الكفر. وهذا لا يُجديه شيئاً؛ لأن سبب السبب سبب في الحقيقة.
قوله: (أو قلعة): سُميت الحصون بالقلعة - وهي السحابة العظيمة - لارتفاعها وانقطاعها عن الجبال: نحوه في "الأساس".