فإن قلت: فإذا كان الإحماء للنار، فلم ذكر الفعل؟ قلت: لأنه مسند إلى الجار والمجرور، أصله: يوم تحمى النار عليها، فلما حذفت "النار" قيل: يحمى عليها، لانتقال الإسناد عن "النار" إلى (عليها)، كما تقول: رفعت القصة إلى الأمير، فإن لم تذكر "القصة" قلت: رفع إلى الأمير.
وعن ابن عامر أنه قرأ: "تحمى"، بالتاء، وقرأ أبو حيوة: "فيكوى بالياء.
فإن قلت: لم خصت هذه الأعضاء؟ قلت: لأنهم لم يطلبوا بأموالهم -حيث لم ينفقوها في سبيل الله- إلا الأغراضَ الدنيوية؛ من وجاهة عند الناس وتقدّم، وأن يكون ماء وجوههم مصوناً عندهم، يتلقون بالجميل، ويحيون بالإكرام، ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل طيبات يتضلعون منها، وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب، يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك: هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم، لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب أهل الدثور بالأجور".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان أبلغ. ولهذا أكد الواحدي في قوله: : أحميد الحديدة في النار إحماء حتى حميت حميا: إذا أوقدت عليها النار".
قوله: (ومن أكل طيبات يتضلعون منها): أي: يأكلون حتى تمتلئ أضلاعهم منها، وهو عطف على قوله "من وجاهة عند الناس".
قوله: (ذهب أهل الدثور بالأجور)، الحديث: من رواية البخاري ومسلم وأبي داود عن أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العظيم والنعيم المقيم، فقال صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نُعتق ... الحديث."الدثور": المال الكثير.