ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل المصنف إنما ترك هذا الوجه، لأن نون التأكيد قد تجتمع مع "لا" النافية في جواب الأمر، كما سييجيء، وأما إذا كان وصفاً فلا، ولئن سُلم فليس تقدير الوصف ما ذكره أخيراً، بل ما ذكره أولاً كما سنقرره.
وأما قوله: "إنما يقدر فعله من جنس المظهر لا من جنس الجواب" فجوابه: هذا إذا أجرى الكلام على ظاهره، وأما إذا جُعل الظاهر مهجوراً فيذهب إلى قوة المعنى فلا. ألا ترى إلى قوله في "شرح المفصل": وقد أجاز الكسائي مسألة: "لا تدن" وشبهه، وحجته أن يُقدر الإثبات نظراً إلى قوة المعنى، فجعل القرينة المعنوية حاكمة على اللفظية، كذا هاهنا. ويجوز أن يُحمل على مسألة "لا تدن"، وأن يُقال: واتقوا فتنة فإنكم إن لم تتقوها أصابتكم، فإن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة، بل تعمكم فاكتفى بالمسبب عن السبب.
وقال نور الدين الحكيم: تقرير كلام الزمخشري أنه مثل قول القائل: اتق غضب الله لا يحلل عليك، فإن من شأن غضبه إن حل لا يحل بالمجرم خاصة، واتق الزنبور لا ينزل، فإنه إن نزل لا ينزل بالجاني خاصة، بل يعم. وأقرب منه: اتق غضباً لا يحلل على المجرم خاصة، واتق الزنبور لا ينزل بالجاني خاصة.
والمنهج الذي سلكه المصنف أوضح، والبلاغة له أدعى، وذلك أنه حين ذهب إلى أن (لا تُصِيبَنَّ) جواب للأمر؛ جعل (لا) نافية، دل عليه قوله في الجواب عن السؤال الآتي: "لأن فهي معنى النهي".