كقولك: الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان، ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة، أي: ولا تولَّوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه، أو: ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوه، (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي تصدقون، لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) أي: ادّعوا السماع، (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لأنهم ليسوا بمصدّقين، فكأنهم غير سامعين.

والمعنى: أنكم تصدّقون بالقرآن والنبوّة، ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) عطف على قوله: "ولا تتولوا عن هذا الأمر"، وكلاهما نشر لتقرير عود الضمير إما إلى الأمر بالطاعة أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن على غير ترتيب، ومعنى السماع في (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) على أن يعود الضمير إلى الأمر بالطاعة: على الحقيقة، وعلى العود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: مجاز عن التصديق.

واعلم أنه قد سبق أن هذه السورة الكريمة مشتملة على تشديد أمر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحريض أصحابه رضوان الله عليهم على الانقياد لأمره والامتناع عن مخالفته، فلما ذكر في مفتتح السورة: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1]، وساق حديث قصة بدر، وأطال الكلام فيها، كر إلى ما بدأ به، وشدد فيه غاية التشديد، حيث جعل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة الله عز وجل، وعقب المر بالطاعة النهي عن المخالفة بقوله: (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ)، ثم أكده بالتذييل التشبيهي، وهو (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا)، ثم تمم المعنى على المبالغة بضرب المثل (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ).

ويؤيد ما ذكرنا أن في الآية كراً إلى المعنى الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015