ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه: قال الراوي: "حدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه تراباً".
وللمفسرين أن يقولوا: إن هذه الرمية غير تلك الرمية، ثم إن لهم أن يبينوا صحة هذا النقل، وبهذا رمز محيي السنة: "وقال أهل التفسير والمغازي"، وفي إقحام "إذ" في هذه القرينة دون أختها - أي: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) - دلالة على اختلاف وقوعهما بحسب الزمان.
وأما قضية النظم: فعلى ما سبق أن قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ) كالفاتحة التي يتخلص منها إلى تعداد أحوال المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكراهة بعضهم رأيه صلوات الله عليه في كثير من الأمر، كما سبق في قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)، فبدأ بقصة بدر، وذكر نُبذاً منها، وختمها بقوله: (ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)، ثم عم الخطاب بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) الآية.
وروى محيي السنة عن بعضهم: أن حكم الآية عام في حق كل من ولى منهزماً.
ثم رتب النهي عن التولي على الوصف المناسب، وهو قوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)، يعني: أتحسبون أن النصرة تحصل بفعلكم أو بفعل الغير، فلم تقتلوهم حين قتلتموهم يوم بدر، ولا هزمتموهم حين هزمتموهم يوم حنين، وإذا كان الناصر والمتولي هو الله عز وجل، فكيف تولون الأدبار؟ ! كأنه قيل: لا تولوهم الأدبار، لأن الله تعالى ناصركم ومعينكم.