كما يقول النادم على الأمر إذا رأي: سوء المغبة: لو شاء الله لأهلكني قبل هذا.
(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) يعني: أتهلكنا جميعاً؟ يعني: نفسه وإياهم، لأنه إنما طلب الرؤية زجراً للسفهاء، وهم طلبوها سفهاً وجهلاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التمني أن "لو" لامتناع الشيء لامتناع غيره، فناسبت معنى التمني، لأنها لطلب غير الواقع واقعاً، وضم معها حصول ما يوجب الندم من تبعة طلب الرؤية، كما قال، فالمعنى: ليت مشيئتك تعلقت بإهلاكنا قبل.
وقلت: إنما ذهب إلى هذا المعنى ليوافق ما أسس عليه مذهبه، وهو خلاف الظاهر، لأن "لو" للامتناع، وإنما يتولد معنى التمني إذا اقتضاه المقام، وهاهنا المقام يقتضي ألا يهلكهم حينئذ، لقوله: (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ)؟
قال محيي السنة: "لما رأوا الهيبة، أخذتهم الرعدة، فرحمهم موسى، وخاف عليهم الموت، واشتد عليه فقدهم، وكانوا له وزراء مطيعين، وذلك قوله: (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ).
وقال القاضي: "عنى بقوله: (شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم): أنك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك، بحمل فرعون عليهم، أو إغراقهم في البحر، فترحمت عليهم بالإنقاذ منها، فإن ترحمت عليهم مرة أخرى، لم يبعد من عميم إحسانك".
قوله: (سوء المغبة)، الجوهري: "غب كل شيء: عاقبته. وقد غبت الأمور، أي: صارت إلى أواخرها".
قوله: (يعني: أتهلكنا جميعاً؟ يعني: نفسه وإياهم): يريد أنه استبعد هلاك نفسه لإهلاك القوم، يدل عليه قوله: "لأنه إنما طلب الرؤية زجراً للسفهاء، وهم طلبوها سفهاً".