وروي: أنه لم يصب إلا ستين شيخاً، فأوحى الله تعالى إليه أن تختار من الشبان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخاً. وقيل: كانوا أبناء ما عدا العشرين، ولم يتجاوزوا الأربعين، قد ذهب عنهم الجهل والصبا، فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم إلى طور سينا، لميفات ربه، وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم: ادنوا، فدنوا، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سُجداً، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل.
ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه، فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم، فقالوا: (يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) [البقرة: 55]، فقال: (رب أرني أنظر إليك)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم انكشف الغمام، فأقبلوا إليه، فطلبوا الرؤية) إلى قوله: (فقال: (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إلَيْكَ))، هذا التأويل مبني على أن هذه القصة هي القصة الأولى، وهي على خلاف نظم الآيات، وأقوال المفسرين.
أما نظم الآيات فظاهر. قال الإمام: "إنه تعالى ذكر قصة ميقات الكلام، وطلب الرؤية، ثم أتبعها بذكر قصة العجل وما يتصل بها. وظاهر الحال أن تكون هذه القصة مغايرةً القصة المتقدمة. ولا يليق بالفصاحة أن يذكر بعض القصة، ثم ينتقل إلى أخرى، ثم يرجع إلى القصة الأولى، فإنه يوجب نوعاً من الاضطراب. والأولى صون كلام الله المجيد عنه.
وأيضاً، إنه تعالى ذكر في القصة الأولى أنه خر موسى صعقاً، وجعل الجبل دكاً. وذكر في شأن القوم أخذتهم الرجفة دون موسى. وكيف يقال: إن أخذته الرجفة، وهو الذي قال: (لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي).
السفهاء؟ ولم يقل لو كانت الرجفة إنما حصلت بسبب طلب رؤيتهم، لقال: أتهلكنا بما يقوله "بما فعل"، والفعل هو عبادة العجل".