فإن قلت: ما معنى: (تِلْكَ الْقُرى) حتى يكون كلاماً مفيداً؟ قلت: هو مفيد، ولكن بشرط التقييد بالحال، كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك: هو الرجل الكريم.

فإن قلت: ما معنى الإخبار عن القرى بـ (نقص عليك من أنبائها)؟ قلت: معناه: أنّ تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها، ولها أنباءٌ غيرها لم نقصها عليك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بشرط التقييد بالحال): قال صاحب "التقريب": "وفيه نظر، لأنه جعل شرط كون (تلك القرى) كلاماً مقيداً تقييده بالحال. وإذا جعل خبراً ثانياً انتفى ذلك الشرط، إلا أن يريد: "تلك القرى المعلومة حالها وصفتها"، على أن اللام للعهد، لكنه حينئذٍ يوجب الاستغناء عن اشتراط إفادته بالحال".

وقلت: هذا وهم، لأن السؤال وارد على الوجه الأول، لأن المشهور أن الحال فضلة في فائدة الجملة، بخلافه إذا كان خبراً بعد الخبر، لأن (القرى) حينئذٍ بمنزلة "حلو" في قولك: "هذا حلو حامض"، فلا يكون كلاماً تاماً، فلا يرد السؤال، ولهذا استشهد بالصفة، لأنها قيد كالحال.

والجواب مبني على ما قال الزجاج: "والحال هاهنا من لطيف النحو وغامضه، وذلك أنك إذا قلت: "هذا زيد قائماً"، فإن قصدت أن تخبر به من لم يعرف زيداً أنه زيد، لم يجز أن تقول: "هذا زيد قائماً"، لأنه لا يكون زيد ما دام قائماً إذا زال عن القيام وليس بزيد. وإنما تقول ذلك للذي يعرف زيداً، فتعمل في الحال التنبيه، أي: أنبه لزيدٍ في حال قيامه، أو أشير إلى زيد في حال قيامه، لأن هذه إشارة على ما حضر". يريد بقوله: "ما حضر" تقييد المشار إليه بالحال، وإلا فلا فائدة في الجملة لأن السامع يعرفها، وكذلك في الآية، المعنى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015