فإن قلت: صراط الحق واحد، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]، فكيف قيل: (بكل صراطٍ)؟ قلت: صراط الحق واحد، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدودٍ وأحكامٍ كثيرةٍ مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحداً يشرع في شيءٍ منها أوعدوه وصدّوه.
فإن قلت: إلام يرجع الضمير في (آمَنَ بِهِ)؟ قلت: إلى "كل صراطٍ"، تقديره: توعدون من آمن به وتصدّون عنه، فوضع الظاهر الذي هو (سبيل الله) موضع الضمير، زيادة في تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدّون عنه.
وقيل: كانوا يجلسون على الطرق والمراصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحق لوقوعه في التنزيل، وأن يراد بها الجادة المتعارفة. ودل إيقاع (وتصدون) قيداً للفعل على أنها سبيل الحق، كقوله تعالى: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ) [الأعراف: 16] لاسيما وقد عطف عليه: (وتَبْغُونَهَا عِوَجًا).
والمعنى: لا تقعدوا في كل منهاجٍ من مناهج الدين تصدون الناس عنها، وتصفونها بالاعوجاج.
هذا هو الظاهر، ولهذا إذا حمل على الظاهر، وجب قطع (توعدون) والذهاب إلى الاستئناف.
قوله: (وقيل: كانوا يجلسون على الطرق) عطف على قوله: "ولا تقتدوا بالشيطان" من