(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) أُسند العقر إلى جميعهم، لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلا بعضهم، وقد يقال للقبيلة الضخمة: أنتم فعلتم كذا، وما فعله إلا واحد منهم، (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ): وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين، و"أمر ربهم": ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله: (فَذَرُوها تَاكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ) [الأعراف: 73]، أو شأن ربهم وهو دينه. ويجوز أن يكون المعنى: وصدر عتوّهم عن أمر ربهم، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم. ونحو "عن" هذه ما في قوله (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف: 82].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً عدلوا عن الظاهر، لأن جوابهم المطلق: إنا بالذي أرسل به كافرون. أي: ليس الأمر كما قلتم بأن الكلام في وجوب الإيمان به.
قال في "الانتصاف": "لو طابقوا، لقالوا: إنا بالذي أرسل به لكافرون، لكن عدلوا عن ذلك، لما فيه من إثبات رسالته، وهم يحجدونها، وقد ثبت مثل ذلك على وجه التهكم، كما قال: (إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء: 27]. لكن هؤلاء بالغوا في التحرز حذراً من النطق بثبوت الرسالة".
قوله: (ويجوز أن يكون المعنى: وصدر عتوهم): عطف على قوله: "وتولوا عنه". يريد أن الأمر في قوله: (عن أمر ربهم) إما بمعنى واحد الأوامر، أو واحد الأمور. فإن كان الأول، (فعتوا) إما مضمن لمعنى "التولي"، فالمعنى: تولوا واستكبروا عن امتثال أمرٍ عاتين. أو مضمن لمعنى الإصدار، فالمعنى: صدر عتوهم عن أمر ربهم. وسببه لأنه تعالى لما أمرهم بقوله: (فذروها تأكل في أرض الله) ابتلاءً، وهم ما امتثلوا الأمر، فصاروا عاتين لذلك. ولولا ذلك الأمر ما ترتب العتو.