[(قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَاتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ* فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ)].

(أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ) أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة، وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه، حباً لما نشؤوا عليه، وإلفاً لما صادفوا آباءهم يتدينون به.

فإن قلت: ما معنى المجيء في قوله: (أَجِئْتَنا)؟ قلت: فيه أوجه: أن يكون لهودٍ عليه السلام مكانٌ معتزلٌ عن قومه يتحنث فيه، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراءٍ قبل المبعث، فلما أوحي إليه جاء قومه يدعوهم.

وأن يريدوا به الاستهزاء، لأنهم كانوا يعتقدون أنّ الله تعالى لا يرسل إلا الملائكة، فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك. وأن لا يريدوا حقيقة المجيء،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (يتحنث فيه)، النهاية: "أي: يتعبد. يقال: فلان يتحنث، أي: يفعل فعلاً يخرج به من الإثم، كما يقال: يتأثم ويتحرج: إذا فل ما يخرج به من الإثم والحرج".

قوله: (فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء؟ ): فإن قلت: أين قرينة هذا المجيء؟ قلت: إنهم لما استبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة، بنوا الأمر على المحال، كقوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: 125]، فإثبات المجيء حينئذٍ على الحقيقة استهزاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015