ويحرصوا على إحراز قصبتهم، وليتصوروا أن كل أحدٍ يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشر، فيرتدع المسيء عن إساءته، ويزيد المحسن في إحسانه، وليعلم أنّ العصاة يوبخهم كل أحدٍ حتى أقصر الناس عملاً.
وقوله: (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) فيه: أن صارفاً يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا وقرأ الأعمش: "وإذا قلبت أبصارهم"، وقرئ: "أدخلوا الجنة" على البناء للمفعول، وقرأ عكرمة: "دخلوا الجنة".
فإن قلت: كيف لاءم هاتين القراءتين قوله: (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)؟ قلت: تأويله: أدخلوا، أو دخلوا الجنة مقولاً لهم: لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بوقوع أولئك في العقاب، وعلى تبكيتٍ عظيم. ثم زادوا على هذا التبكيت بقولهم: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ)، لأنهم كانوا يستضعفونهم، ويستهزئون بهم، وأنفوا من مشاركتهم في دينهم".
قوله: (فيه: أن صارفاً يصرفهم)، يعني: في بناء الفعل للمفعول إشارة إلى هذه الرمزة، وهي الإلجاء إلى النظر وإلى الاستعاذة وإلى التوبيخ: أما الاستعاذة فهي قولهم: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظلمين)، وأما التوبيخ فهو قولهم: (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمةٍ).
قوله: (كيف لاءم هاتين القراءتين؟ ) أي: "أدخلوا" على البناء للمفعول، و"دخلوا" على الماضي، لأن مقتضاهما أن يقال: "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".