وسواء عليهم وجود الكتاب وعدمه، وإنذار الرسول وسكوته. فإن قلت: لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وغيره من الآي الكثيرة؟ قلت: ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت: لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى للمتقين، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت، فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب، وهما على حدّ لا مجال فيه للعاطف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (تباينٌ في الغرض والأسلوب)، أما الغرض فلأن الأولى مسوقةٌ لوصف الكتاب بكونه هادياً كاملاً في بابه، بالغاً في إيصال المهديين إلى منتهى مباغيهم، والثانية واردةٌ لذم الكفار، وأن إنذارهم بالكتاب لا ينفع فيه، وأما الأسلوب، فلأن الثانية مصدرةٌ بحرف التوكيد التي يُتلقى بها الطالب أو المنكر عريةً عن الفنون البيانية والصنعة البديعية المستدعية، لذلك توخى العطف كقوله: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار: 13 - 14]، وإن فيها صنعة التقابل والترصيع، فإن العطف بين الجملتين جائزٌ بشرط رعاية التناسب، وبين المفردين بشرط اتحاد التصورات.

قوله: (لا مجال للعاطف فيه) قيل: فيه نظر، لأن قوله: "سواءٌ وجود الكتاب وعدمه" مشعرٌ بأنها مسوقةٌ لوصف الكتاب.

قلت: المطلوب من الوصف هنا تعظيم الكتاب وتفخيم شأنه، فإن الموصوف إنما يكتسب المدح إذا كانت الصفة صالحة للتمدح بها. ولا شك أن كون الكتاب غير منتفعٍ به للمصرين على الكفر لا يصلح للمدح، لأن القصد من سوق الآيات مدح الكتاب.

وأما قوله: "سواءٌ وجود الكتاب وعدمه" بيانٌ لنظم الآي، وأن ذكر الكفار على سبيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015