أنهم كما ثبتت لهم الأثرة بالهدى، فهي ثابتة لهم بالفلاح فجعلت كلّ واحدة من الأثرتين في تمييزهم بالمثابة التي لو انفردت كفت مميزة على حيالها. فإن قلت: لم جاء مع العاطف؟ وما الفرق بينه وبين قوله: (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف: 179] قلت: قد اختلف الخبران هاهنا فلذلك دخل العاطف، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما ثبتت لهم) لا يجوز أن تُحمل "الكاف" على التشبيه؛ لأن "الفاء" التي في قوله: "فهي" مانعةٌ من جعل ما بعدها مشبهاً به، بل "الكاف" للقِران في الوقوع كما في قولك: كما حضر زيدٌ قام عمروٌ، والمعنى: كما حصلت الأثرة بالهدى ما توقف حصول الفلاح عقيبه؛ جعل الفلاح المتوقع في الآجل حاصلاً مع حصول الهدى في العاجل، مبالغةً، وما اكتفى بذلك، بل غير العبارة، وأبرز الجملة الثانية وهي قوله: "فهي ثابتةٌ" في معرض الاسمية وبناها على تقوي الحكم ليشير به إلى مبالغةٍ أخرى في الآية سوى التكرار، وهي تعريف ما يعطيه الخبر، وتوسيط الضمير في الجملة الثانية بخلاف الأولى.
قوله: (الأثرة بالهدى) الأثرة: التقدم والاختصاص؛ من الإيثار، الأساس: ولهم مآثر، أي: مساع يأثرونها عن آبائهم، وهو أثيري، أي: الذي أوثره وأقدمه، وله عندي أثرةٌ، وهو ذو أثرةٍ عند الأمير.
قوله: (على حيالها)، الجوهري: قعد حياله وبحياله، أي: بإزائه. وأصله الواو.
المغرب: وأعطى كل واحدٍ على حياله، أي: بانفراده.
قوله: (قد اختلف الخبران) أي: الجملتان الواقعتان خبرين عن (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) فإن معنى (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى): أنهم متمكنون الآن على الهداية، ومعنى (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أنهم في الآخرة يفوزون بمباغيهم ومآربهم، فبينهما اختلافٌ من وجهٍ، واتفاقٌ من وجه، فتوسطت