(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أي: مصبوباً سائلا، كالدم في العروق، لا كالكبد والطحال. وقد رخص في دم العروق بعد الذبح.
(أَوْ فِسْقاً) عطف على المنصوب قبله. سمى ما أهلّ به لغير الله فسقاً لتوغله في باب الفسق. ومنه قوله تعالى: (وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام: 121]، و (أهل): صفةٌ له منصوبة المحل. ويجوز أن يكون مفعولا له من (أهلّ)، أي: أهلّ لغير الله به فسقاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما النظم: فإن هذه الآيات وردت عقب افترائهم على الله من تحريم ما حرموه، قالوا: (هَذِهِ أَنْعَامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ) [الأنعام: 138]، و (هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا ومُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا) [الأنعام: 139]، كأنهم ادعوا أن ما حرموه ليس من عند أنفسهم بل هو من عند الله. فقيل لهم: ليست الأطعمة المحرمة ما وصفتموه، ولكنها ما وصفه الله تعالى، ومن ثم قيل: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)، وعقبه بقوله: (قل لا أجد) الآية، ثم ختمها بقوله: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا) [الأنعام: 150]، ثم شرع بعد ذلك فيما حرمه الله تعالى بقوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) [الأنعام: 150] الآيات.
قوله: (وقد رخص في دم العروق بعد الذبح). قال الإمام: "الدم المسفوح: السائل. وعن ابن عباس: يريد ما خرج من الأنعام وهي أحياء، وما يخرج من الأوداج عند الذبح. وعلى هذا التقدير: لا يدخل فيه الكبد والطحال لجمودهما، ولا ما يختلط باللحم من الدم، فإنه غير سائل. وسئل أبو مجلز عما يتلطخ من اللحم بالدم، وعن القدر يرى فيه حمرة الدم، فقال: لا بأس به، إنما نهي عن الدم المسفوح".