أحدها: أن مبتدع السموات والأرض - وهي أجسامٌ عظيمةٌ - لا يستقيم أن يوصف بالولادة، لأنّ الولادة من صفات الأجسام، ومخترع الأجسام لا يكون جسماً حتى يكون والداً.
والثاني: أن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد وهو متعالٍ عن مجانس، فلم يصح أن تكون له صاحبة، فلم تصح الولادة.
والثالث: أنه ما من شيءٍ إلا وهو خالقه والعالم به، ومن كان بهذه الصفة كان غنياً عن كل شيء، والولد إنما يطلبه المحتاج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: أما الوجه الأول: فتقديره - على ما قال المصنف - أن مبدع الأجسام لا ينبغي أن يتصف بصفة الولادة، لأنه إن اتصف بها يكون جسماً مثلها، لأن الولادة من صفات الأجسام، والله تعالى منزه عن أن يكون جسماً، لأن الأجسام ممكنة، محتاجة في إنشائها إلى مخترع منشئ.
والقاضي قرر هذا الوجه بأن قال: "إن من مبدعاته السموات والأرضين، وهي، مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة، مبرأة عنها، فهو أولى بأن يتعالى عنها، أو أن ولد الشيء: نظيره، ولا نظير له، فلا ولد له".
والثاني: قوله: "إن الولادة لا تكون إلا بين زوجين"، وتحريره: أنه ثبت بالدليل أنه تعالى خالق الأجسام كلها، ومبدعها، ومنشئها، والخالق لا يجانس المخلوق، والزوجية تقتضي المجانسة، والولادة متوقفة على الزوجين، فإذاً لا ولد له.
وقال القاضي: "والمعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثي متجانسين، والله تعالى منزه عن المجانسة".
والثالث: قوله: "إنه ما من شيءٍ إلا وهو خالقه والعالم به". وهذا ظاهر.