ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟ ولم يقل: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ احترازاً من تزكيته نفسه، فعدل عنه إلى قوله: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) يعني فريقي المشركين والموحدين.
ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي: لم يخلطوا إيمانهم بمعصيةٍ تفسقهم، وأبى تفسير "الظلم" بالكفر لفظ اللبس.
(وَتِلْكَ) إشارةٌ إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) إلى قوله: (وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
ومعنى (آتَيْناها): أرشدناه إليها ووفقناه لها، (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) يعني: في العلم والحكمة. وقرئ بالتنوين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قوله: "وأبى تفسير "الظلم" بالكفر لفظ اللبس": فمبني على أن لفظ "اللبس" موضوع للخلط، وهو يقتضي شيئين، وذلك لا يتصور هاهنا، إذ الكفر والإيمان لا يجتمعان، وأما المعصية فيتصور فيه الخلط، كقوله تعالى: (خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا) [التوبة: 102].
قال الجوهري: "اللبس - بالضم: مصدر قولك: لبست الثوب، ألبس. واللبس - بالفتح: مصدر قولك: لبست عليه الأمر ألبس: خلطت"، والجواب ما سبق.
قوله: (ولم يقل: فأينا أحق بالأمن: أنا أم أنتم؟ احترازاً من تزكية نفسه)، لأن الكلام مرتب بالفاء على (أَخَافُ) ولا تخافون، فيجب تقدير "أينا: أنا وأنتم" مفرداً وجماعة، فيلزم منه أمن نفسه وخوفهم، فكان تزكيته لنفسه صريحاً.
قوله: (وقرئ بالتنوين): عاصم وحمزة والكسائي. قال أبو البقاء: (دَرَجَاتٍ) يقرأ