. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقلت: تفسيره أقضى لحق البلاغة، لأنه لو أريد ما اختاره الأكثرون، لقيل: هو الذي يتوفاكم بالليل، ويبعثكم بالنهار، ليقضي أجل مسمى، ولأن إيراد العلم، واختصاص لفظة (يَتَوَفَّاكُمْ)، (جَرَحْتُم) دون آثامكم: كسبتم، وكلمة (فِيِه)، و (ثُمَّ)، و (يُنَبِئثكُم)، وتكرير الخطاب يدل على توبيخٍ شديد، وتهديد عظيم. ولا يليقُ ذلك إلا للمعاند الجاحد، ولهذا فسر التوفي بالليل بالانسداح كالجيف، ليقابل الاجتراح.

المعنى: أنتم في الليل متساقطون على الفراش كالموتى، وفي النهار كاسبون للمآثم والمظالم، كالجوارح، فإن الله تعالى إن أمهلكم في الدنيا، فلابد أن يميتكم، ثم يبعثكم بعد ذلك من القبور، لإنجاز ما وعدكم به وليجزيكم بما عملتم.

هذا، وإن المقام ينطبق عليه، لأن الله عز وجل في هذه السورة كلما أثبت صفةً من صفات الجلال، عاد إلى تهديد الكفار بما يناسب تلك الصفة، فهاهنا لما استوفى حق الكلام في شأن العلم، أتى بقوله: (ويَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) تهديداً ووعيداً، وذلك أن إيراد العلم، خصوصاً علم الغيب، استطراد لقوله تعالى: (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ) يعني: ليس عندي ما تستعجلون به من العذاب، وأنه متى هو، ولو كان عندي ذلك لأهلكتكم عاجلاً، ولتخلصت منكم سريعاً، لكن الله أعلم بكم وبظلمكم، لأن عنده مفاتح الغيب، لا يعلمها إلا هو.

ولما فرغ منه عاد إلى تهديد أولئك الكفرة بقوله: (وهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَار) ليبعثكم فيه، ويجازيكم على النقير والقطمير. وفي إسناد "التوفي"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015