[(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)].
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) الخطاب للكفرة، أي: أنتم منسدحون الليل كله كالجيف، (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) ما كسبتم من الآثام فيه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال أبو البقاء: " (إلاَّ فِي كِتَابٍ): إلا هو في كتاب. ولا يجوز أن يكون استثناءً يعمل فيه (يَعْلَمُهَا)، لأن المعنى يصير: وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها إلا في كتاب، فينقلب معناه إلى الإثبات، أي: إلا يعلمها في كتاب. وإذا لم يكن يعلمها إلا في كتاب وجب أن يعلمها في الكتاب. فإذاً يكون الاستثناء الثاني بدلاً من الأول، أي: وما تسقط من ورقة، ولا حبة، ولا رطب، ولا يابس، إلا هي في كتاب، وما يعلمها إلا هو".
وقال الزجاج رحمه الله: "معنى (إلاَّ يَعْلَمُهَا) أنه يعلمها ساقطةً وثابتة. فأنت تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه. فليس تأويله: إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط".
قلت: لما كانت سنة الله في الغالب جارية أن يضم مع ذكر دلائل الآفاق، دلائل الأنفس، عقب هاهنا إثبات علم الآفاق علم الأنفس تكميلاً، وذلك قوله: (وهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ). سبحانه! ما أعظم شأنه، وما أتم بيانه، وأوضح برهانه! (قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، وأشد طغيانه!
قوله: (أنتم منسدحون) أي: مستلقون. الجوهري: "السدح: الصرع بطحاً على الوجه، أو إلقاءً على الظهر".