فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده، لا يتوصل إليها غيره، كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها، فهو المتوصل إلى ما في المخازن. و"المفاتح": جمع مفتح، وهو المفتاح، وقرئ: "مفاتيح"، وقيل: هي جمع مفتحٍ - بفتح الميم - وهو المخزن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفاتح هي التي يتوصل بها من علم بها، وبكيفية فتح المخازن المستوثق منها بالإغلاق، إلى ما في المخازن من المتاع. فعلم منه أنه تعالى أراد بهذه العبارة أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده، وأن تكون استعارة تمثيلية، بأن يجعل الوجه منتزعاً من أمور متوهمة، وهو ما يتوهم من تمكين تحصيل شيء مستوثق منه، يختص حصوله بمن عنده ما يتوصل به، وأنه مركب من أمور متعددة.
وهذا البيان ينبهك على أن "من" في "من علم" موصولة، والخبر "توصل إليها"، والجملة معطوفة على اسم "أن" مع خبره، على سبيل التفسير. والفاء في قوله: "فأراد" نتيجة مما حصل من معنى الاستعارة، وبيان كيفية حقيقتها. ولهذا ذكر المشبه والمشبه به، وصرح بكاف التشبيه. يعني إذا كانت استعارة، يكون أصلها كيت وكيت. هذا على تقدير المصنف.
وإن شئت جعلت الاستعارة في "الغيب" على سبيل المكنية، والقرينة: إضافة "المفتاح" إليه على التخييلية.
وقيل: جعل "من" موصولة ضعيف، لأنه يفوت الإيهام المراد هاهنا، فـ"من" شرطية عطفت على قوله: "المفاتح"، وإن كان لـ"من" الشرطية صدر الكلام، لأنه يجوز تقديراً ما لا يجوز مصرحاً به، نحو: "رب شاةٍ وسخلتها"، ولا يجوز "رب سلختها".
وقوله: "فأراد" إلى آخره عطف على "جعل"، لأن الاستعارة فرع التشبيه.
قوله: (أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده، لا يتوصل إليها غيره)، الانتصاف: "لا يجوز إطلاق "التوصل" على الله، لما يوهم من تجدد الوصول".