يقال: استبان الأمر وتبين، واستبنته وتبينته. والمعنى: ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها في صفة أحوال المجرمين؛ من هو مطبوعٌ على قلبه لا يرجى إسلامه، ومن يرى فيه أمارة القبول وهو الذي يخاف إذا سمع ذكر القيامة، ومن دخل في الإسلام إلا أنه لا يحفظ حدوده، ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلاً منهم بما يجب أن يعامل به، فصلنا ذلك التفصيل.
[(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ* قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ* قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في صفة أحوال المجرمين؛ من هو مطبوع على قلبه): "من": بدل من "المجرمين"، و"من يرى فيه أمارة" معطوف على "من"، وكذلك: "ومن دخل في الإسلام"، يريد أن "ذلك" في قوله: (وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ) إشارة إلى ما سبق من أحوال الطوائف الثلاث من لدن قوله: (والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ العَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأنعام: 49] لأن هذه الطائفة هي المطبوع على قلوبهم، و (الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ) [الأنعام: 51] هي الطائفة التي يرى فيها أمارة القبول، لأنها هي المنذرة التي يرجى إسلامها، لقوله: (يَخَافُونَ)، وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام: 50]. وإليه الإشارة بقوله: "وهو الذي يخاف إذا سمع ذكر القيامة".
والتي في قوله: (وإذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) هي الطائفة التي دخلت في الإسلام، إلا أنها لا تحفظ حدوده، ومن ثم خوطبوا بقوله: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ) [الأنعام: 54]. فعلى هذا قوله: (ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ) إذا قدر المعلل فصلنا ذلك التفصيل بدلالة السابق، عطف جملةٍ على جملة، وقال القاضي: ويجوز أن يعطف