فإن قلت: فما المراد بالغيب إن جعلته صلة؟ وإن جعلته حالا؟ قلت: إن جعلته صلة كان بمعنى الغائب، إمّا تسمية بالمصدر من قولك. غاب الشيء غيبا، كما سمى الشاهد بالشهادة. قال اللَّه تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الزمر: 46]. والعرب تسمى المطمئن من الأرض غيباً. وعن النضر بن شميل: شربت الإبل حتى وارت غيوب كلاها. يريد بالغيب: الخمصة التي تكون في موضع الكلية، إذا بطنت الدابة انتفخت. وإما أن يكون فيعلا فخفف، كما قيل «قيل» وأصله: قيل: والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير، وإنما نعلم منه نحن ما أعلمناه، أو نصب لنا دليلا عليه. ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال: فلان يعلم الغيب. وذلك نحو الصانع وصفاته، والنبوّات وما يتعلق بها، والبعث والنشور،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما المراد بالغيب؟ )، يعني: رجحت وجه الحال بالحديث، كأن معنى الغيب يختلف باختلاف الوجهين فبيِّن ذلك.
قوله: (المطمئن)، يُروى بكسر الهمزة وبفتحها. فبالكسر: الصفة، وبالفتح: الاسم.
قوله: (الخمصة)، النقرة والحفرة، ويقال للجوع أيضاً، كقولهم: ليس للبطنة خيرٌ من خمصةٍ تتبعها. والبطنة: الامتلاء من الطعام.
قوله: (وإنما تعلم منه نحن ما أعلمناه، أو نصب لنا دليلاً عليه)، فيه تقسيمٌ لما جمع في حكم الغيب.
وقوله: (وذلك نحو الصانع)، إلى آخره: تفريقٌ، فإن قوله: "نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها" يتعلق بقوله: "أو نصب لنا دليلاً".
وقوله: (والبعث والنشور)، إلى آخره يتعلق بقوله: "ما أعلمناه" أي: بالنص، وهذا مبنيٌ على ما قال الإمام وهو: أن كل مقدمةٍ لا يمكن إثبات النقل إلا بعد ثبوتها؛ فإنه لا يمكن إثباتها بالنقل، وكل ما كان إخباراً عن وقوع ما جاز وقوعه، وجاز عدمه، لا يمكن معرفته إلا