. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم في جعل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) صفةً مخصصةً للمتقين، وأن يراد بالمتقين الذين يجتنبون عن المعاصي، كما ذهب إليه المصنف وتبعه صاحب "المفتاح"- نظرٌ؛ لأن الصفة حينئذٍ على غير ما عليه الكاشفة، فيكون مفهومها غير مفهوم الموصوف كما قال: "تفيد غير فائدتها".

فإذا قيل: المراد بالمتقين المجتنبون عن المعاصي! فهم منه أنهم الذين يأتمرون بأمر الله تعالى، وينتهون عما نهى الله عنه؛ لقوله تعالى: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ) [التحريم: 6] فكيف يُقال: الذين يؤمنون بالغيب غير الذين يجتنبون عن المعاصي، أما لو أريد بهم الذين يجتنبون عن الشرك كما هو الوجه الأول للقاضي- وذُكر نحوه في "الوسيط"- أفادت الصفة ما هو المطلوب من هذا الوجه، وهو التحلية بعد التخلية وجاءت قارة في مكانها. وفي اختيار المصنف ذلك رمزٌ إلى المذهب كما صرح به في قوله: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 5].

واعلم أن الصفة الفارقة تستدعي الاشتراك في الموصوف فيما يقع له الامتياز بالصفة، فإذا قلت: زيدٌ التاجر عندنا، وجب الاشتراك فيما يقع له الامتياز بصفة التجارة، كذلك "المتقين" إنما يتصور فيه الاشتراك باعتبار (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إلى آخره، فينبغي أن يتصور من هو متحل به، ومن هو معزولٌ عنه؛ ليختص بالوصف من قُصد إيراده له، وذلك لا يصح إلا بالقول بأنهم يجتنبون الشرك. وأما إذا قلت: الذين يجتنبون المعاصي؛ فلا يستقيم لما ذكرناه من وجوب الاشتراك فيما يقع له الامتياز بالوصف.

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون القصد في إيراد المتقين إرادة المجتنبين عن المعاصي، فلما التبس عند السامع، أتى بالوصف قرينةً دالةً على المقصود؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015